يُمهّد المستشفى ومركز الأبحاث التابع لمؤسسة قطر الطريق لكيفية تشخيص المرض وعلاجه في إنجاز طبي رائد
ساعد اكتشاف وتشخيص شكلٍ جديدٍ من أمراض الجهاز الهضمي في قطر في إنقاذ حياة مريضين في سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.
ويعدّ هذا الاكتشاف بمثابة إنجاز جديد سيُحدث تغييرًا في طريقة تشخيص المرض وعلاجه في جميع أنحاء العالم، حيث قام المركز بتحديد برنامج للعلاج بالطب الدقيق لطفلين شقيقين تم تشخصيهما بهذه الحالة في قطر.
وبهذا اكتشف باحثون في سدرة للطب، شكلًا جديدًا من أمراض الأمعاء الالتهابية- حيث نشرت نتائج هذه الدراسة بمجلة "الدراسات الخلوية و الجزيئية لأمراض الجهاز الهضمي و الكبد"، حيث سيساعد هذا الاكتشاف في تغيير الطريقة التي يتم بها تشخيص وعلاج الأطفال الذين تظهر عليهم أعراض مبكرة من مرض التهاب الأمعاء.
التشخيص
نُقل الطفل سالم إلى قسم الطوارىء في إحدى المستشفيات إثر تعرضه إلى سكتة قلبية، حيث كان يعاني من أعراض شديدة مثل الإسهال الشديد والجفاف. وقد عمل الأطباء لإنقاذ حياته، بالتزامن مع تضرر دماغه، مما أدى إلى إصابته بالشلل الدماغي. يقول الوالد: "حين وُلد سالم، كان يعاني من إسهال متكرر، ما سبب له مشاكل صحية عديدة، تفاقمت مع الوقت، إلى حين إصابته بسكتة قلبية، ما استدعى نقله إلى المستشفى، حيث خضع لعملية إنعاش، ومكث في العناية المركزة لمدة تسعين يومًا".
ويضيف:"بدأت حالته تسوء مع الوقت إلى أن أصبح عاجزًا عن المشي وفقد حاسة السمع، لقد كان هذا الوضع يسبب لنا الحزن الشديد والألم، لأننا لم نكن نعرف شيئًا عن هذا المرض ولا كيفية علاجه".
في عام 2018، تم نقل سالم إلى برنامج الفشل المعوي في سدرة للطب، حيث تم وضعه في برنامج التغذية الوريدية الكاملة؛ وهي طريقة منقذة للحياة تستخدم في تغذية المرضى، إذ توفر التغذية التي تتجاوز الجهاز الهضمي من خلال الوصول الوريدي الدائم إلى مجرى الدم.
أثناء رعايته وعلاجه في المستشفى، تم إرسال عينات دم سالم أيضًا للاختبار الوراثي كجزء من برنامج الطب الدقيق. خلال الفترة نفسها تقريبًا، تم إحضار شقيق سالم الأصغر، سعود، إلى سدرة للطب، بسبب الظهور المبكر لأعراض مرض التهاب الأمعاء. وكشف الوالدان خلال الاستشارات أنهما فقدا جنينين قبل ولادة سالم.
يقول والد سالم وسعود:" بدأت الأعراض نفسها تظهر على سعود، حيث يعاني أيضًا من الإسهال المتكرر، وهو يتناول الحليب عن طريق الأنبوب، ولكنه ما زال قادرًا على المشي والتحدث. قبل ولادة سالم وسعود، فقدنا جنينين قبل أن يبصرا النور، وقد تم إبلاغنا من قبل سدرة للطب أن سبب ذلك هو وراثي، حيث تجمعني صلة قرابة مع زوجتي".
الاكتشاف
تم إرسال عينات دم كل من سالم وسعود إلى مختبر علم الوراثة البشرية في سدرة للطب، للتحقيق الوراثي والجزيئي. وحين قامت الدكتورة بيرنيس لو، الباحث الرئيسي إلى جانب متخصصَي الأبحاث أحمد الشيبي وستاني حبراق بدراسة العينات تم التوصل إلى اكتشاف جديد.
يقول أحمد الشيبي:"أثناء الفحص الجزيئي والمقارنة بين الأنماط الوراثية للأخوين، لاحظنا غيابًا كبيرًا للمخاط في خلايا الجهاز الهضمي. لدى الأخوين نسخة مختلة من مورثAGR2 والتي منعت إنتاج المخاط بالشكل الصحيح الذي يحمي الأمعاء. لم يتم اكتشاف ذلك في البشر من قبل، وقد دلتنا الدراسة على أن التركيب الوراثي للأخوين كان بسبب سمة عائلية وراثية (متماثلة اللواقح) وكانت السبب الرئيسي للمرض".
أثبتت النتائج أن مرض الطفلين وراثي وأشارت إلى أن إنجاب الوالدين للمزيد من الأطفال في المستقبل سيعرضهم لخطر أن يولدوا وهم يعانون من الحالة نفسها.
أطلق الباحثون اسم" إيجلز" على حالة نقص الـAGR2 والذي يعني: اعتلال الأمعاء الناجم عن نقص AGR2، وفقدان الخلايا الكأسية، وإجهاد الشبكة الإندوبلازمية. تضمنت أعراض هذا المرض عيبًا في حاجز المخاط وعدم القدرة على تخفيف إجهاد الشبكة الإندوبلازمية، مما تسبب في بداية الأعراض المبكرة لمرض التهاب الأمعاء.
قالت الدكتورة بيرنيس لو: "في خطوة رائدة، قدمت نتائجنا تشخيصًا جزيئيًا للطفلين، وسلطت الضوء على أهمية المخاط في حماية الأمعاء والحفاظ على صحة الجهاز الهضمي. ثم سلط التحليل الوظيفي الضوء على الأدوية التي قد تحافظ على حياة سالم، وكذلك منع شدة الأعراض من التأثير على الأخ الأصغر سعود وأي أشقاء آخرين في نفس العائلة مستقبلاً".
يهدف استكشاف إيجلز أيضًا إلى مساعدة الأطفال في البلدان الأخرى، الذين ليس لديهم دائمًا إمكانية الوصول أو غير القادرين على تحمل تكاليف تسلسل الجينوم الكامل. في حال بدأت عوارض إيجلز بالظهور على الطفل ، فيجب على المستشفى أن يطلب إدراج AGR2 في قائمة الجينات التي يجب البحث عنها أثناء التسلسل الجيني المستهدف. نظرًا لأن تسلسل الجينوم الكامل قد لا يكون متاحًا في العديد من المستشفيات في حول العالم، فإن معرفة الجينات المحددة التي يجب تحليلها سيسهل التشخيص.
الطريق إلى الطب الدقيق
مع تحديد المرض والآثار المسببة لهذا النوع الجديد من مرض التهاب الأمعاء، تمثلت المرحلة الأكثر أهمية في ضمان عدم تدهور حالة سالم بشكل أكبر ومنع ظهور نوبة شديدة من المرض لدى شقيقه الأصغر سعود.
قال الدكتور مأمون العواد، رئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي في سدرة للطب: "نحن نعلم بالفعل أن بعض الأطفال عرضة للإصابة بمرض التهاب الأمعاء في وقت مبكر بسبب العوامل الوراثية الخاصة بهم. ما يجعل برنامج الرعاية الخاص بنا في سدرة للطب فريدًا هو أن جميع مرضانا الذين تقل أعمارهم عن ستة أعوام والذين تظهر عليهم أعراض مرض التهاب الأمعاء المبكر، يخضعون لاختبارات وراثية ومناعية ويتم قراءة تسلسل الجينوم الخاص بهم بالكامل. في حالة هذين الشقيقين، فإن ما تم اكتشافه هو حقًا إنجاز طبي رائد، سيغير في المستقبل حياة المرضى الذين يتم تشخيصهم بالمرض نفسه، حيث يمكن أن يقي التشخيص والعلاج المبكران من احتمال فقدان الحياة بسبب شدة المرض".
يقول الوالد:" بدأ سالم يبدي تحسنًا ملحوظًا بعد البدء في تناول العلاج الذي تم وصفه له من قبل سدرة للطب، لقد ازداد وزنه، ووضعه بات مستقرًا، نحن نعاني ونواجه كل التحديات بالصبر، هذا التحسن في حالته، منحني، أنا ووالدته، الأمل، بأن حياة طفلينا ستكون أفضل".
يعد الاختبار الوراثي الخاص بسدرة للطب وتسلسل الجينوم الكامل للذين يعانون من أمراض الأمعاء الالتهابية بمثابة تعاون مشترك مع قسم أمراض الجهاز الهضمي وفريق علم الوراثة البشرية، وهو جزء من برنامج الطب الدقيق - الأول والوحيد من نوعه في الشرق الأوسط - مما يجعله واحدًا من عدد قليل من المستشفيات في العالم التي تقدم أحدث الأبحاث التي يمكن أن تشكل مستقبل صحة المرضى الأطفال وحياتهم.