الدراسة العربية الأكبر من نوعها على الإطلاق للجينوم البشري من تجمع بحوث قطر جينوم ، تسلط الضوء على التركيبة السكانية والتنوع الجيني للسكان المعاصرين العرب والشرق أوسطيين
كشف باحثون في دولة قطر عن خريطة عالية الدقة للبنية الجينية للسكان العرب والشرق أوسطيين، مما يوفر رؤىً جديدة لتاريخ البشرية في المنطقة وأنماط الاسلاف التي قد تسهم في تفسير السمات البشرية المحلية وتساعد على درء مخاطر الأمراض.
كشفت الدراسة القطرية - التي نُشرت في الامس في المجلة العلمية الرائدة نيتشر كوميونيكيشن Nature Communications - أن السكان القدامى في شبه الجزيرة العربية لعبوا دورًا محوريًا في حكاية الهجرة البشرية المبكرة من إفريقيا أكثر مما كان يُعتقد سابقًا.
عمل فريق دولي بقيادة الدكتور يونس مكراب والدكتور خالد فخرو من سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر بالتعاون مع قطر جينوم، عضو مؤسسة قطر على تطوير ما يُعد أول تحليلٍ جيني واسع النطاق للسكان العرب والشرق الأوسطيين، حيث اشتمل على فحص الحمض النووي الكامل لأكثر من 6000 شخص في قطر، ومقارنة جينوماتهم مع تلك الخاصة بمجموعات سكانية حالية من انحاء العالم حالياً، بالإضافة إلى أحماض نووية لأفراد تعود لأحقاب زمنية قديمة.
يُسهم فهم جينات الأفراد في هذه الدراسة والذين لم تتم دراستهم من قبل، في كسر الحواجز التي لطالما شكّلت تحديًا أمام منظومة الطب الدقيق المصمم للتعامل مع مخاطر الأمراض الفريدة لذوي الأصول الشرق أوسطية.
وقد كشفت الدراسة عن رؤىً تاريخية واجتماعية جديدة ورئيسية حول السكّان العرب كما يلي:
- انقسمت مجموعة من البشر القدامى عن الأفارقة الأوائل منذ حوالي 90 ألف عام، تلاه انقسام آخر في فترة ما بين 30-42 ألف عام مضى ، مما أدى إلى ظهور أسلاف السكان الحاليين من العرب والأوروبيين والجنوب آسياويين. ويدعم ذلك ملاحظة أن الحمض النووي لإنسان نياندرتال نادر جدًا في السكان العرب مقارنة بالمجموعات السكانية التي اختلطت لاحقًا مع أشباه البشر الأوائل.
- شهد العرب القدامى حدوث انقسامات سكانية متعددة بين 12 إلى 20 ألف سنة مضت، مما أدى إلى نشوء مجتمعات بدوية واستقرار جماعاتٍ في أماكن محددة، وذلك تزامناً مع بدا التصحر في شبه الجزيرة العربية.
- بمقارنة الجينوم الحديث بالأحماض النووية البشرية القديمة التي تعود إلى العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، تم استخلاص أن عرب شبه الجزيرة هم الأكثر قرابة لما يسمى للبشر الأوائل الذين استحدثوا الفلاحة في العصر الحجري الحديث بازال أورازين "Basal Eurasian" وكذا البشر المعتمدين على الصيد كأسلوب حياة و الذين استوطنوا الشرق الأوسط القديم.
- وجدت الدراسة معدلات عالية جدًا من الزيجوت المتماثل ( حيث تكون هناك نسختان موروثتان متماثلتان من الجين) والذي من المحتمل أن يكون نتيجة للتركيبة القبلية للمجتمعات العربية، مما يشير إلى ملاءمة هذه الفئة من السكان في اكتشاف جينات جديدة مرتبطة بخطر الأمراض والإقصاء الجيني الطبيعي البشري.
في هذا السياق، قال الدكتور يونس مكراب، رئيس مختبر الجينوم الطبي والسكاني في سدرة للطب، وأستاذ مساعد في الطب الجينومي في وايل كورنيل للطب- قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر: "أسفرت تحليلاتنا الجينية المتعمقة لـ 6218 جينومًا قطريًا عن ايجاد أكبر مجموعة بيانات من هذا النوع من الشرق الأوسط حتى الآن. وعلى الرغم من العدد القليل نسبيًا للسكان القطريين، اكتشفنا اعراقا متنوعة مرتبطة بأوروبا وآسيا وأفريقيا وحتى أمريكا الجنوبية. ومن الجدير بالذكر أننا اكتشفنا مجموعة فريدة من عرب شبه الجزيرة كأقدم سكان للشرق الأوسط الحديث. وهذا يوفر إضافة هامة لمعرفتنا بالتنوع الجيني البشري ".
من جهتها، قالت الأستاذة الدكتورة أسماء آل ثاني، رئيس اللجنة الوطنية لقطر جينوم: "بصفتنا منتجين لأكبر مجموعة بيانات جينومية في المنطقة، تقع علينا في قطر جينوم مسؤولية كبيرة لتسليط الضوء على هذه المنطقة على المستوى العالمي، وسد العديد من الفجوات المعرفية الحالية في علم الجينوم في الشرق الأوسط، ويُشكل هذا البحث نموذجًا للدور المحوري الذي نضطلع به".
كما صرح الدكتور خالد فخرو، رئيس قسم الأبحاث في سدرة للطب، قائلاً: "هذا البحث مبني على الوتيرة الهائلة التي يشهدها مجال بحوث الجينوم البشري في قطر، مما يُمكننا من التعرّف على المسارات اللافتة للأصول البشرية المختلفة عبر شبه الجزيرة العربية على مدى آلاف السنين الماضية. ويومًا بعد يوم، يتضح لنا ان المجموعة السكانية في قطر تعتبر نموذجا يمثل بامتياز التنوّع الموجود في العالم العربي ، وسيكون للاكتشافات المستقبلية من هذه الفئة السكانية آثار هائلة على الطب الدقيق لملايين العرب في كل مكان ".
كما قامت مجموعة العلماء بتحليل الحمض النووي للميتوكوندريا وكروموزوم Y الخاص بالفئة التي تم دراستها، مما أدى إلى اكتشاف علامات جينية جديدة بين الذكور العرب، مما يدعم الأصول القديمة لسكان قطر في شبه الجزيرة العربية. في هذا الصدد، قال البروفيسور آندي كلارك، عضو الفريق وخبير علم الوراثة السكانية في وايل كورنيل نيويورك: "يُشكل هذا علامة فارقة غير مسبوقة وأساسًا صلبًا لدراسة قدماء الشرق الأوسط. ستساعد هذه البيانات في تشكيل فهمنا لمخاطر الأمراض ومسبباتها في المجموعات السكانية التي لطالما واجهت نقصًا في التمثيل في الدراسات العالمية".
تهدف نتائج هذه الدراسة لتكون معيارًا لتوفير الطب الدقيق لشعوب الشرق الأوسط والعالم العربي. لذا استخدم الباحثون البيانات لبناء لوحة مرجعية لإدراك التنوعات الجينية، وهي الأولى من نوعها على الإطلاق المخصصة للعرب. ومن المتوقع أن تكون هذه الدراسة استكمالاً للمعارف المتوفرة حالياً لزيادة القدرة على اكتشاف الجينات المسببة للأمراض في هذه المجموعات السكانية التي لم تخضع من قبل لدراسات مكثفة.
وعن أهمية الدراسة، علق الأستاذ الدكتور سعيد إسماعيل، مدير قطر جينوم قائلاً: "هذه الدراسة جاءت في الوقت المناسب لتسليط الضوء على قوة مبادرات علم الجينوم على مستوى الدولة ولا سيما في قطر، التي تعتبر ملتقىً لتاريخ البشرية والتنوع".
تم تمويل هذا العمل جزئيًا من قبل سدرة للطب وقطر جينوم والصندوق القطري لرعاية البحث العلمي.
سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر، هو مركز طبي وأكاديمي عالمي متخصص في تقديم الرعاية الصحية للنساء والأطفال ويوفر نموذجًا رائدًا للطب الدقيق في المنطقة. قطر جينوم، عضو مؤسسة قطر، هو مبادرة وطنية تنشئ قواعد بيانات كبيرة تجمع بين تسلسل الجينوم الكامل وبيانات الأومكس الأخرى من السكان، مما يمكّن الباحثين من تحقيق اكتشافات تقدمية تدعم منظومة الطب الدقيق ومستقبل الرعاية الصحية في دولة قطر.